أنا وجدتي ورحلة الإيمان - ارشيف موقع جولاني
الجولان موقع جولاني الإلكتروني


أنا وجدتي ورحلة ا
لإيمان
مسعود الجولاني - 10\08\2009

المكان هو أحد أركان غرفة هزيلة في بيت قديم
، والزمان هو ليلة من ليالي الشتاء القارص، وبدفء حنين المكان وبظل قساوة ذلك الزمان اجتمعا معا - امرأة عجوز وولد صغير في تلك الغرفة الصغيرة.
عجوز ما زالت تحمل على وجهها قليلا من جمال أيام الصبا
، وتخفي في صدرها آهات مثقلة من معاناة الأيام الغابرة، وولد صغير يتسمر تحت غطاء صوفي سميك، يصغي بذهول لكلمات تلك العجوز، تحاصره حدّة نظراتها... فيتيه في تجاعيد وجهها وحركة شفتيها.
كنت أنا ذلك الولد الصغير
، وكانت جدتي هي تلك المرأة العجوز.
لقد أحببتها كثيرا وما زلت
، وأنست مجالستها وما شبعت، وكانت جل ثروتي في تلك الأيام هي القصص والحكايات والمواعظ والآيات التي لطالما سمعتها من جدتي.
وكانت تذكر مرات عديدة مزايا وحسنات أولياء الله الصالحين الذين يعنون بقومنا
ويرعوننا عن بعد، ولكنها كانت تردّد مرارا وتكرارا سيئات أولئك الذين لا يسيرون في مسلكنا, وهشاشة ايمان من لونهم يختلف عن لوننا، وكم كانت تذكر حدّة السيف وجحيم النار اللذين سيحاسبان كل كبير وصغير وكل عظيم وحقير من غير قومنا، وكانت تجمل ذلك قليلا عندما تظيف الى هؤلاء الضالين كل السيئين من قومنا.
آه كم حمدت ربي على أنني من قوم جدتي
، وبأنني ورثت ايمانها، وكنت أحس كلما ضمتني بنفحات من نسائم الجنة، وكنت أشبهها كثيرا بصلواتي وجلساتي وتطلعاتي, وكان ملاذي الآمن هو النوم في حضنها وهي تبشرني بأن من سلك دربنا هو من الناجين لا محالة.
ولكنني كبرت وحكايات جدتي بقيت على حالها,
قرأت عن غيرنا, وعاشرت قسما منهم, فوجدتهم يشبهوننا الى حد بعيد... بقناعاتهم, بتعصبهم, بطيبتهم وبأنبيائهم. ولم يكن عندي الوقت الكافي لأعود وأناقش جدتي بمضمون جلساتنا القديمة, فقد رحلت جدتي لمقابلة ربها الذي كثيرا ما حمدته وعاشت بهاجس رحمته... رحلت رغم دموعي المنهمرة وصلواتي المتفانية.
وقد رثيتها قائلا:
"عذرا منك يا جدتي,
لن أستطيع أن أسير على خطاك مع حفيدي الصغير. فأنا لا أملك طوفان عاطفتك ورحابة صدرك, وللأسف لم أعد مقتنعا بأننا قوم الله المختار, وصارت علاقتي مباشرة مع آلهتي الخاصة, لا تحتاج الى وسيط, وقد أقنعتها جميعا بأن تقبل الآخر على حاله... نعم هنالك حوار مستمر ما بيني وبين آلهتي, فأنا أجمّلها وهي تعنى بي, أهددها.. أعاتبها.. أغازلها, وهكذا تفعل هي...
ليكن عزاؤك يا جدتي أن جلساتنا القديمة, انما استبدلتها بجلسات تأمل ومناجاة مع أكثر الآلهة رحمة وثقافة.
...وما زلت أحلم أن أحب آلهتي الجديدة كما أحببتك يا جدتي الغالية."